“واعرباااااااااه”
لم يغب عن بالي هذا المشهد كلما ذكر اسم غزة أمامي أو قرأت خبرا في الصحف أو حتى شاهدته في التلفاز... ترجع بي الذاكرة إلى امرأة ثكلى من غزة حتى أنني أذكر هذا المشهد بأدق تفاصيله أراها وهي تجري بعبائتها السوداء ممسكة بطرفها كي لا تتعثر بها أو لربما كي لا تتلطخ بالدماء التي كانت قد ملأت بها الأرض، وشالها المنسدل على رأسها الذي بالكاد غطى شعرها وهي ترفعه بيدها الأخرى كي تستر به ما قد فضحه وخانه العرب، وشحاطتها البلاستك التي تظهر تشققات قدمها راسمة لنا الواقع المرير الذي يمر به شعب غزة كل يوم، وأذكرها حين توقفت أمام عدسة الكاميرا وقد دوت صرختها أمام الملايين من الناس وهي تقول: " وين العرب... وين المسلمين... وينكم يا أمة محمد... جايكم الدور... والله جايكم الدور... حسبي الله ونعم الوكيل فيكم"،
فعلا كلام هز مشاعري وأدمع عيني وأذكر حينها أنني تنهدت بعمق ولا
أنكر أيضا أنني ضحكت في سري مستهزئة وقائلة: "مستحيل يجينا الدور... طالما
عنا معاهدات سلام وطالما العرب نايم وملهي وداير ورا قرشه وكرشه ما رح يجينا الدور
وإلكم الله يا شعب فلسطين... إلكم الله".
لم أعلم وقتها بأي درجة من الجهل كنت حين اعتقدت أن "وامعتصماه"
قابعة تنتظر برجالنا لترك كراسيهم وعروشهم ليلبوا نداءها متناسية أن المعتصم بالله
قد مات وأن الله حي لا يموت.
"جايكم الدور" أليس الدور قد أتى نراه قد ابتدأ بتونس فمصر
فليبيا والآن يتزلزل في أرجاء سوريا من جهة ويتخابط في الأردن والمغرب واليمن
والخليج وباقي الدول العربية من جهة أخرى مع اختلافات طفيفة بين السياسات والمطالب
في كل بلد على حدة.
إنها صرخة مظلومة أهملتها قاداتنا أهملتها شعوبنا أهملتها لا
مبالاتنا لكن بقيت موقنة بأن الله يمهل ولا يهمل ومتمسكة بقوله عز وجل:
"وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ
أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ"،
و صدق علي ابن أبي طالب حين قال:
لا تظلمنَّ إذا ما كنت مقتدراً فَالظُلْمُ مَرْتَعُهُ يُفْضِي إلى
النَّدَمِ تنامُ عَيْنُكَ
والمَظْلومُ مُنَتَبِهٌ يدعو عليك وعين الله لم تنم
ما حدث لنا وما يحدث بالوقت الحالي لا أراه إلا كما لو أنها عاقبة من
الله تعالى بسبب ظلمنا واستهتارنا ونسياننا لأهلنا في فلسطين، نأكل نلعب ونرتع وهم
في كل يوم يستشهدون ويعذبون ويسجنون، إنها صرخة لا والله بل صرخات كافية لقلب
الموازين ليذيق العرب أجمع ما يذوقه الفلسطينيون من ذل وظلم وبهتان.
أعلم أن حالي كحال البعض يتسائل ماذا علينا أن نفعل ملقين اللوم على
حكوماتنا بأنها لم تفتح لنا أبواب القتال لنحارب إسرائيل، لكن السؤال هنا هل نحن
الآن مستعدون لحرب مع إسرائيل بهذه السرعة أم أنه يجب علينا الاستماع لقوله تعالى:
"وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ"، أي القوة في
السلاح والقوة الجسدية وقوة الإيمان، طيب بالله عليكم هل تدعون لفلسطين وشعبه كل
يوم في صلاتكم، والله إنه لمن الظلم واللؤم من يأت عليه يوم واحد لم يرفع به يديه
داعيا ربه في صلاته لحماية فلسطين والأقصى ونصرة شعبه وهذا أقل وأضعف الإيمان.
إن استرجاع فلسطين لم ولن يأتي إلا إذا اجتمع العرب واتحدوا وكانوا
يدا واحدة... لكن متى سيأتي اليوم الذي نكون به قد اتحدنا ونسينا أن هذا عراقي
وذاك سوري وأن هذا سني وذاك شيعي!
متى سيأتي اليوم الذي ستعي به حكوماتنا وسيعي به الشعب أن كل ما يحصل
بنا من آهات وويلات يصب بالمقام الأول والأخير لمصلحة إسرائيل!
متى سيعي العالم العربي والجماعات وبعض الحراكات أنه لا سلام مع
أمريكا ولن يكون هناك أي خير منها إلا الفتك بشعوبنا وتفتيت أوطاننا ونشر الفتن
الطائفية والعنصرية في أوساط أوطاننا العزيزة!
هل سيكون الربيع العربي عبرة لنا لنزيد من إيماننا ولنوحد صفنا ولنحب
أوطاننا أكثر واكثر... أم سيكون مجرد إعصار اكتسحنا وداهمنا على حين غرة وقلب
عالينا سافلنا وسافلنا عالينا منتظرين كالعادة العون الخارجي ليزيد من جرحنا
ويشتتنا وعلينا يطغى ويتجبر...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق